الثلاثاء، 21 يونيو 2011

دمعة و ابتسامة

إلى الفنانة عائشة ماه ماه

لم أفاجأ و أنا أشاهد الفيديو الذي تناقلته العديد من الصفحات عبر الأنترنيت للجُحر الذي تعيش فيه الفنانة القديرة عائشة ماه ماه, حتى أن الظروف الغير إنسانية التي تعيشها الفنانة بدت لي متوقعة و طبيعية بالنظر إلى واقع الفن المتعفن في بلادنا, و الفوضى و الاستغلال و التبخيس الذي نعاني منه جميعا و في كل الميادين الإبداعية.

حينما تطور الإنتاج المغربي و أصبحت القناتين تخصصان ميزانيات مهمة لإنتاج المسلسلات و الأفلام و السيتكومات استبشر الفنانون خيرا و بالمصادقة على البطاقة المهنية للفنان شعروا أن أبواب الفرج ستفتح خصوصا أن أولى البطاقات قدمت من طرف الملك و الدفعة الأولى مُنحت تحت قبة البرلمان, لكن مرت الأيام و الأعوام و ظلت هذه البطاقة دون تفعيل لا تصلح لشئ مطلقا, فلا القنوات التلفزية تعتمدها في اختيار الفنانين المحترفين الذين ستتعامل معهم, و لا المنتجين و لا أية جهة وصية على الفن .

لذلك يحصل المنتجون المنفذون الذين لا يقومون في الواقع بالإنتاج بمفهومه الحقيقي, و لكن فقط باقتسام كعكة الميزانيات التي يحصلون عليها من التلفزة أو المركز السينمائي و التي يكون لهم منها النصيب الأكبر ويرمون الفتات للفنانين و خصوصا الممثلين, ففي بلدنا حيث العديد من المخرجين و المنتجين و الممثلين يتحدثون عن الموهبة و يقصون التعليم و التكوين و التدريب, هناك أمية فنية لا مثيل لها و بالتالي فكل شخص يمكن أن يكون ممثل أو مخرج او كاتب دون تكوين و لا التعرف على أبسط أبجديات هاته المهن التي يقضي الطلبة عبر العالم سنوات يدرسونها و ينهلون من معارفها إلا حالات خاصة لعباقرة يخلقون الاستثناء و لا أظن أننا ننجب عبقريا كل دقيقة.

و الرابح الأكبر في هذه السيبة هم المنتجون و المخرجون الذين أصبحوا منتجين و الممثلون الذين أصبحوا منتجين, لأنهم ببساطة لا يختارون ممثليهم لكفاءتهم أو موهبتهم أو تكوينهم و لكن "لرخسهم" في غياب لقانون يضبط سلم الأجور كما في مصر أو سوريا أو أي دولة تحترم فنانيها, و في غياب نقابة قوية تستطيع أن توقف تصوير أي عمل لا يحترم معايير اختيار الفنانين و غياب قانون واضح يحمي الفنان و المشاهد, لأن الخاسر في الأخير هو الفنان و المشاهد و الفن و صورة البلد.

الفنانة عائشة ماه ماه و مثلها كثير, مبدعون قدموا العديد من الأعمال الناجحة و أحبهم الجمهور المغربي و عاش برفقتهم لحظات متعة عبر أعمال فنية ستظل راسخة في الذاكرة, لكنهم يمنحوا الفرحة للناس فيما يبكون في صمت و ألم و مكابرة, فنانون كُثر بعضهم توفى و الحسرة تملأ قلبه, و البعض يموت كل يوم ألف مرة دون رحمة و لا نجدة و لا اعتبار.

العديد من الفنانين همشوا, و ظهرت فتيات قادمات من المواخير ليقدمن أدوار البطولة دون تدخل لأي جهة للحد من هاته الظاهرة, أغلب شركات الإنتاج تتبنى سياسة البحث عن وجوه جديدة فيما الحقيقة أنها تبحث عن الوجوه التي لا تكلفهم عقدا محترما و ظروف تصوير مهنية, أعمال تلفزية تكلف الملايين يغيب عنها الفنانون المحترفون و تطفو الارتجالية و العبثية دون حسيب و لا رقيب.

خريجو المعهد العالي يحتجون, فلا هم حصلوا على وظائف و لا هم اشتغلوا في الأعمال الفنية التي يعتبروا الأحق بالمشاركة فيها, و إلا فلماذا نؤسس معهدا عاليا للفن إن كنا سنختار فنانينا من الحانات و المقاهي و البيوت المظلمة.

لقد صرحت الفنانة عائشة ماه ماه بأنها لا تشتغل إلا ناذرا و حتى أجرها لا تحصل عليه إلا بعد وقت طويل, و يا له من أجر..كيف لها إذن أن تعيش ببيت يليق بها و باسمها و بسنين طويلة من العطاء, كيف لها أن تحيا بكرامة و عفة و "نجومية", كيف لبلد لا يحمي فنه و فنانيه أن يحمي هويته و عزه أهله..فالفنانون صورة البلد وواجهته..أهذه هي الواجهة التي نستحق؟ فنانة تعيش في مكان يفتقد لأبسط ضروريات الكرامة, فيما يغتني أشباه المنتجين و يقتنوا الشقق و السيارات و الأراضي الفلاحية و يراكموا الترواث دون أن يسألهم أحد من أين لكم هذا, دون أن يفرض عليهم أحد تشغيل الفنانين المحترفين و تفعيل بطاقة الفنان و ضبط الأجور..

ممثلون ينبثون كالفطر و مخرجون أميون و كتاب لا يفرقون بين كتابة الإنشاء أو القصة أو الخربشة أو السيناريو, فيما تنزوي إلى الظل طاقات كبيرة و مبدعون نبلاء و فنانون بحس وديع و ثقافة واسعة و فكر و نضج و فلسفة..

سنوات و الوضع لم يتغير, تضاعف الإنتاج و تضاعفت معه معاناة الفنانين و ترواث المنتجين و السماسرة و ظلت المعاناة نفسها و الدمع نفسه..

لقد ظلت الفنانة عائشة ماه ماه تبتسم و هي تتحدث عن ظروف عيشها, فقد حبست دمعة مكابرة في مقلتيها أبت أن تنزل كي لا يراها جلادوها و جلادوا فناني هذا البلد كرماء النفس الذين لا يتسولون و لا يتملقون رغم المعاناة..

و بين الدمعة و الابتسامة نداء لكل من له غيرة على الفن و الفنانين أن ينقذوا البلد ممن ينهشون جسده و يغتنون على حسابه و يتاجرون باسمه و ينهبون المال العام باسم الفن و الابداع و "الإنتاج".

لقد قال الملك "المحاسبة", لذلك آن الأوان أن يسأل المنتجون من أين لكم هذا و يوضع حد لهذه الدراما الواقعية.

ليست هناك تعليقات: