الثلاثاء، 21 يوليو 2009

أبطال من ورق



عرضت قناة الجزيرة الوثائقية قبل أيام فيلم "أسطورة الريف" للمخرج المغربي محمد بلحاج عن الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي, وقد جاء توقيت عرض الفيلم معبرا جدا كونه يصادف حمى الانتخابات التي تصيب المملكة وما يصاحبها من برامج هزلية على التلفزة, ودعايات مستفزة ومعارك باردة و ساخنة, علنية و سرية و شعارات مزيفة ووعود كاذبة, و سحنات لأسماء احترفت الكذب وامتهنت التزوير لعقود من الزمن ولازالت في مكانها لم تبرحه مطلقا..
عبدة الكراسي الذين لا يتنازلون عن مقاعدهم في المقدمة, حتى وإن قذفوا بالحجر..
لذلك حينما نشاهد مسار حياة زعيم مغربي بحجم الخطابي يتملكنا إحساس متناقض بالفخر و المذلة, الفخر لأن هذا الوطن أنجب سياسيا يعتبر درسا في المقاومة و الحروب التحريرية, و المذلة لما آلت إليه أحزابنا و سياسيونا.
تلك الوجوه القاسية التقاطيع التي تطل علينا عبر شاشات التلفزيون بابتسامة مصطنعة و حب زائف ووعود اجترتها لسنين طويلة مريرة دون أن تمل من تكرارها, هذه "الجثث" التي لا يجرأ أحد على إزاحتها من مكانها, هؤلاء المتعطشون دوما للسلطة و المال و النفوذ يظنون أنفسهم دائما على صواب و بأنهم الأذكى لأنهم استطاعوا الاحتفاظ بكراسيهم رغما عنا كل هذا العمر, رغم أنهم لا يستحقون الجلوس عليها ولو ليوم واحد.
أشخاص بملامح مختلفة و نوايا واحدة
برموز متباينة و حزب وحيد
بانتماءات متعددة و بعقلية واحدة
فهمهم للسياسة بدائي جدا وتعاملهم مع السلطة "جاهلي", يصرخون و يشتمون ويتعاركون على مرأى و مسمع الوطن, يتاجرون في عباده و ماضيه و حاضره و مستقبله, هازئين بأنفسهم و بنا..لا سبيل لمقاطعتهم أو معارضتهم إلا بتركهم وحيدين أمام صناديق الاقتراع يواجهون فشلهم وزيفهم..فقد انفض الناس من حولهم لأن لا رجاء فيهم..
فيلم "أسطورة الريف" يلقي الضوء على شخصية زعيم كبير, وسياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة, ويقدم نموذجا متفردا لأهم قائد للمقاومة المسلحة التحريرية, كان يسعى إلى التحرير وليس إلى الحكم و كان يقاتل بجانب أتباعه إذ لم يقد الحرب من مخبأ, كان هادئا و متواضعا و كتوما رغم أنه رجل حرب, لم يكن كثير الثرثرة و لم يصبه غرور العظمة رغم أن صيته تجاوز الحدود ليؤثر بماوتسي تونغ و تشي جيفارا.
قاد معركة كبرى ضد الإسبان "معركة أنوال" التي لاتزال محطة سوداء في سجل الجيران.
أما سياسيونا الآن فأبطال من ورق لا يتقنون سوى الانفعال و التذمر و الصراعات الشخصية الصبيانية التي لا تهم المواطنين في شيء, غير عابئين بتاريخ سيحاسبهم و يسائلهم ويطالبهم بالكثير.
لا يشعرون بالخجل و هم يبدون جشعهم وركضهم لاهثين لتحصيل الكراسي و المناصب على حساب المستضعفين و البسطاء الذين لا يتذكروهم إلا في المواسم الانتخابية يأتون بحثا عنهم ليعانقوهم و يضموهم كي يسلبوهم ما تبقى لهم : أصواتهم .
لكن صوتنا غير مسموع, حتى حينما نصرخ تخرج صرختنا غريبة عنا, لذلك فضّلنا الصمت و احتفظنا بالشيء الوحيد الذي لا زال من حقنا ورفضنا ان نمنح أصواتنا لأبطال من ورق في انتظار زعماء حقيقيين يعيدون لهذا البلد مجده وقوته وعزته و عنفوانه

ليست هناك تعليقات: