الأحد، 16 أغسطس 2009

الحق في الطفولة

فهناك أطفال صغار لا يعرفون معنى العطلة, لا تنتهي امتحانات السنة الدراسية إلا ليبدؤوا إمتحانا عسيرا أصعب و أشد تعقيدا و هولا و هو إحساس مبكر بالمسؤولية كتب عليهم كي يقرروا الاشتغال و احتراف العمل, في حين أقرانهم يقضون صيفهم على شاطئ البحر أو في مخيمات الجبل.
هؤلاء الصغار نصادفهم في كل مكان, حتى أننا تعودنا على وجودهم الموسمي كلما حلت العطلة, يشتغلون بالأسواق و الدكاكين و على الشاطئ, وفي المقاهي..يحومون كالفراشات متحدين أجسادهم الصغيرة و فقرهم وحاجتهم, ومن حرموهم حقهم الطبيعي في أن يستمتعوا هم أيضا بعطلهم و يرتاحوا بعد سنة دراسية طويلة.
صغار يبدون أكبر من عمرهم بكثير بسبب خروجهم إلى العمل و تعرضهم للمضايقات و الإجهاد, تتقاذفهم الأزقة و تلفح وجوههم ألسنة الشمس الحارقة و تواجههم عقبات كثيرة و هم يعبرون طرقا مليئة بالأشواك, يحاولون تنظيفها بأناملهم الصغيرة و قد أصبحت أياديهم خشنة ووجوههم متفحمة.
صغار لم يتذوقوا يوما طعم العطلة, بمجرد أن يغادروا أقسام الدراسة يلتحقون بالعمل من أجل دراهم تمكنهم من اقتناء لوازم الدخول المدرسي المقبل.
كتب و دفاتر و أقلام و حذاء رياضي..من أجل هذا يشقون طيلة الصيف, إنها فعلا سخرية القدر لكنها أيضا مسؤولية من يلوحوا باتفاقيات حماية الطفولة ومن يرفعون شعارات الدفاع عن الصغار ليحققوا مكاسبهم على حساب البراءة.
مكان هؤلاء الأطفال هو المخيمات و الشواطئ و أماكن التصييف و الاستجمام, و على الجميع أن يتحمل مسؤولياته كي لا يصبح الطفل معيلا لنفسه و لأسرته.
يفيض قلبي حسرة كلما صادفت صغارا يشتغلون و هم يتنقلون برشاقة و يرمقوك بنظراتهم البريئة كي يستعطفوك لتقتني أغراضهم البسيطة و البسمة تعلو شفاههم..ليس لهم الحق في الراحة أو الشكوى أو اللعب..ليس لهم الحق في طفولتهم, محكومون بالحزن و الشقاء و المحن..محنة الروح و محن الجسد.
أطفال يدوسون على عطلتهم و يمضون نحو العمل كي يصنعوا مستقبلهم, كي يدرسوا, كي يتقدموا نحو الأمام, كي ينقذوا أنفسهم من الضياع.
فالحظ لم يكن يوما حليفهم لذلك قرروا أن يهزموه و يتحدوا كل من كان سببا في تعاستهم بالعمل و النجاح.
أطفال صغار لكنهم رجال, لم يمدوا يديهم للتسول و لم يمتهنوا السرقة و لم يبعثروا كرامتهم أرضا, بل اشتغلوا بكبرياء.
هؤلاء الصغار يشعرونني دائما بالعجز و الغضب, لكنهم ينتزعون منا نظرة إعجاب و احترام, فطفولتهم تستفز حواسنا و ذاكرتنا و تجعلنا نستحضر أيام كنا صغارا نمسك بأيدي آبائنا..
كنا ننتظر العطلة بفارغ الصبر..لأننا لا نعمل
أترى هؤلاء الصغار يفرحون لقدومها؟

ليست هناك تعليقات: