الثلاثاء، 8 فبراير 2011

ثورة الحواس

حينما تشعر بالظلم أو بالاحتقار أو بالسخرية أو بنكران الجميل, تثور..
ليس بالضرورة على أحد, أحيانا تثور على نفسك لتكسر الصمت الذي ظل جاثما على لسانك, فمهما كانت طباعك هادئة و نبيلة و صوتك ناعما و عذبا, قد تصاب بانفعال مفاجئ فيرتج بدنك لتغضب و تصرخ و ربما تشتم و تكسر ما يحيط بك و قد كسرت حاجزا بين هدوئك و عاصفتك.
أحيانا نتحمل وضعا لا يطاق, فنظل نحمل عبئا تقيلا نظن أننا قادرين على تحمله طويلا, لكن يخوننا صبرنا فنثور كعاصفة غادرة تبعثر كل شيء و تترك خلفها الكثير من الآلام و الأرواح المنكسرة, فحينما يوجعك جرح بشدة تعجز عن ضبط النفس أمام إحساس أقوى منك يخص كبرياءك و كرامتك, و حينما تهدأ عاصفتك تستغرب فعلا إن كانت حواسك قد ثارت, أنت الذي لم تتفوه يوما بكلمات عنيفة غاضبة و عشت على هامش الحياة حتى تنجو من أدى الخلق.
نوبات الغضب التي تأتي بعد صمت طويل صعبة جدا, و صرخة من لم يصرخ أبدا لها دوي قوي كصوت الرعد, يربك و يخيف و يفاجئ..هكذا هي ثورة الحواس حينما تشعر أن كرامتك بعثرت, و بأنك تلقيت سهاما سامة ظلت عالقة بجسدك دون أن يمد أحد يده ليستأصلها من روحك.
ثورة العباد على الظلم أو الاستغلال رد فعل طبيعي لأجساد تتحمل ما يفوق طاقتها, حينما تتساوى الحياة مع الموت و تصبح الدنيا بلا طعم و لا لون و لا شمس و لا يسمع للشكوى صدى, حينما تداس كرامتك أينما حللت فتشعر أنك لا تعيش إنسانيتك كما كرمك الله بها, حينما لا تجد من يسند ظهرك فتتوه بلا ملامح و لا وجهة باحثا عن ملاذ فلا تجده.
للظلم طعم مر, و للخيانة جرح لا يلتئم, و للحواس ذاكرة..لذلك تثور
حينما تعذب دون رأفة تثور, و حينما يخونك قلبك تثور, و حينما تخذلك الأيام تثور, و حينما يعبث بك المستبدون تثور, و في الثورة تشعر أنك حر من جديد تدافع ما استطعت عن بقايا كرامة جرحت.
مهما حافظت على هدوئك و صمتك ووداعتك, يشاء القدر أن يعبر أحدهم بمحاذاة طيبتك فيستفزك و يهزك بعنف فتثور, وفي رحلة العودة إلى صمتك تجد أنك فقدت الكثير, فتتوه بداخلك طويلا قبل أن تعود لنفسك بجراح غائرة و ألم مرير.
يتصادم العباد فيما بينهم لأسباب شتى, المهم أنهم ينتشون حينما يؤذون بعضهم البعض, صراع في كل شيء..في السياسة و الرياضة و السياقة و الزواج و الحب و الصداقة و العمل و الطريق, ميول غريب نحو العنف و الغضب و الانتقام و كأن الحياة فيها ما يكفي من الوقت لنضيعه في الألم.فيما العمر بضع أيام لا ندري بأي سرعة تمر في غفلة من جبروتنا و أنانيتنا.
ما يقع في تونس و الجزائر و مناطق كثيرة من هذا العالم دروس لأخذ العبر كي يظل هذا الوطن آمنا, و ما يقع بيننا و بداخلنا يستدعي منا وقفة تأمل علنا نعيش
حياة أفضل.

ليست هناك تعليقات: