الأربعاء، 5 يناير 2011

المغاربة و الكامون

ترى لماذا ربط المغاربة منذ عقود سلوكاتهم و عقليتهم بمادة الكامون؟
لماذا اعتبروا أنفسهم و ذويهم كامونيين؟ 'كيتحكوا عاد كيعطيوا الريحة'..
معذرة على هذا السؤال المستفز, لكنه ملح و ضروري في مرحلة مهمة من تاريخ المغاربة, حيث يغزوهم التطور التكنولوجي لكن تظل نبتة الكامون تلاحقهم كلعنة متوارثة.
فإن تأملنا و حللنا و استوعبنا سلوكات المغاربة وردود أفعالهم أغناهم و أفقرهم, أقواهم و أضعفهم, أكثرهم أمية و أقلهم ثقافة نجد أنهم لا يقومون بواجباتهم إلا مضطرين, ولا يحترمون القانون إلا خاضعين, ولا يجيدون ما يعملون إلا مراقبين, ولا يطيعون إلا خائفين ولا يتواضعون إلا محتاجين.
لا بد لهم من آمر ناه يلاحقهم و يراقبهم وربما يؤنبهم و يصرخ في وجوههم كي يشتغلوا و يحسنوا و يحترموا, ليس لدينا داك المراقب الداخلي الذي يوجهنا و يضبط سلوكاتنا دون حاجة لمن يجبرنا و يذلنا و يقودنا كالبعير.
منذ كنت طفلة و أنا أنبهر للتغيرات الجغرافية و البيئية و الجمالية التي 'تصيب' المدن عند زيارة ملك البلاد, كنت أضحك من الشجر الذي ينبث فجأة و كانت النخلات الوارفة الظلال تفاجئني في أماكن لم تعرف سوى الذباب و أسطل القمامة, وكنت أحاول أن أربط في دهني الفتي بين زيارة الملك و بين تلك الخطوط البيضاء الجميلة التي تزين الطرقات و تختفي بمرور عابر للملك..
الآن وقد كبرت, و ظلت العادة نفسها كأنها تقليد يميز المغاربة عن غيرهم, صرت أفهم أن لهذا السلوك علاقة بنبتة الكامون, فهؤلاء المغاربة الكامونيين لا يزينون الطرقات فرحا باستقبال الملك, بل ليخفوا فضائحهم و اختلاساتهم و نهبهم الدامي لخيرات هذا الوطن, و إذا كان المنتخبون و الولاة في الدول التي لا علاقة لها بالكامون, تعيش خوفا يوميا من المواطنين الذين لهم حق محاسبتها, فنحن لا أحد يخافنا و لا يخافون الأقوى و الأغنى عز جلاله, يخافون أن تنتزع منهم تلك المقاعد الدافئة المريحة التي تدغدغ غرورهم.
و بمجرد أن بدأت سياسة 'حك المسؤولين' كما الكامون بدأت رائحة الملفات و التنقيلات و المحاسبات و الإقالات, وبدأت الأجساد ترتعد خوفا وانتفضت مذعورة من فوق كراسيها المريحة.
ساحة أخرى وفضاء مشترك لكل المغاربة يبين أيضا ما للكامون من تأثير على المغاربة, وهي الطرقات و السياقة و أعتقد لو أننا تبثنا كاميرات مراقة السرعة في كل مكان منذ عقود و طالبنا المخالفين بدفع الغرامات لما احتجنا كل هاته السنين لمدونة سير, ولو وضعنا إعلانا تلفزيا وحيدا يشرح القيمة المادية لكل مخالفة لأصبحت طرقاتنا رمزا للانضباط و الاحترام و التسامح و الاستقامة.
الإحساس بالمسؤولية و احترام الذات و الآخر, و الكرامة الشخصية صفات تكتسب من خلال التربية على المواطنة و حقوق الإنسان و حب البلد و خدمته, و حينما تنعدم في المرء كل هاته المقومات الأساسية ليكون مواطن, فأنه يصبح 'كاموني' أي أنه لا يقوم بواجب إلا تحت الضغط, وهذا هو واقع معظم المغاربة وفي أبسط سلوكاتهم اليومية, لذلك أقترح غرامات و كاميرات في كل مكان..
و أقترح حملة إسمها 'كاميرا لكل مواطن و مسؤول', و لجنة وطنية تتابع يوميا ما تخبئه الكاميرات و تبعث بالغرامات, مواطنين يرمون الأزبال في كل مكان, يعبرون الشارع في أي زمان, مقاه تحتل الملك العام, علم البلاد يرفرف ممزقا فوق بعض الإدارات,برلمانيون غائبون و آخرون نائمون, أرباب عمل يستغلون العمال و يتحرشون بالعاملات, ملصقات سخيفة في الشوارع, مسلسلات غريبة في التلفزيون..
يلزمنا دائما مراقب رغم أننا خلقنا و لكل منا كاميراه معه, تأنبه و توجهه و تجعله يقوم بكل واجباته و يطالب بحقوقه و يخدم وطنه..فلو فكرنا بالخالق ما احتجنا لمن يذلنا كي نحسن في سلوكاتنا و أعمالنا فمن يخاف الله لا يخاف العباد, ومن لا يخاف الله ما من شيء يقف أمام غروره.

ليست هناك تعليقات: