الثلاثاء، 1 يونيو 2010

الزمن الضائع

قيل «الوقت من ذهب» فجاء الجواب «لا بل أغلى من الذهب»، لذلك سارع العلماء إلى اكتشاف طرق وأدوات اتصال وتنقل لتسهيل الحياة وتيسيرها، ليكسب المرء وقتا يستغله في ما يفيده ويفيد مجتمعه والإنسانية جمعاء.. سيارات وطائرات وهواتف ثابتة ونقالة وشبكات عنكبوتية، أجهزة مبهرة وآلات تحكم عن بعد تشتغل لوحدها دون عناء وأزرار لا تعرف سوى الطاعة والاستجابة، مئات الآلاف من الاختراعات الذكية والعلمية احتلت البيوت والشوارع والإدارات.. لكسب الوقت، يستوردها «العقل العربي» ويوظفها بأسلوب مختلف ورؤية عبثية لتصبح كل هذه الاختراعات، التي شكلت نعمة لشعوب أخرى، نقمة على شعوبنا.هناك سياسة وثقافة للهدر أصبحت عنوانا لنا، الهدر المدرسي والهدر البيئي وهدر القيم والأموال، وهدر الوقت والزمن.جولة صغيرة بمدننا، بشوارعها ومحلاتها ومقاهيها ستعطي لأي زائر صورة واضحة عن تعاملنا مع الوقت والزمن.موعد بسيط روتيني مع أي صديق أو قريب، موعد رسمي مع أي مسؤول..مرور عابر أو مضطر بأي مصلحة أو مكتب أو إدارة.. يبرز لك بشكل مستفز قيمة الوقت في مجتمعنا.فرغم تطور الاتصالات والمواصلات، واعتماد سياسة القرب وتجديد المكاتب والإدارات، و«تشبيب» أطرها لم يتغير أسلوبنا في التعامل مع الوقت من خلال احترام المواعيد وتنظيمها وضبطها وتركيز المجهودات واعتماد مبدأ الإتقان.يحمل شبابنا آخر صيحات الهاتف النقال، لكنهم لا يوظفونه لما اخترع من أجله، بل «اخترعوا» له وظائف أخرى جعلته لسوء حظه يتحول من جهاز لكسب الوقت إلى جهاز لتضييعه، نفس المصير بالنسبة إلى الحاسوب.هناك العديد من الناس يعيشون فراغا قاتلا، لأنهم لا تستفيدون من وقتهم، يقضون يومهم في انتظار أن تنتهي ساعات العمل.. ولا يعملون.في تأجيل التزاماتهم وتكديسها فلا موعد لإنهائها ولا لتسليمها.ينتظرون حياة أخرى كي يعيشوا ويفرحوا وينتجوا ويبدعوا ويخططوا، وحينما يدركون أنهم بلغوا نهاية الطريق ولم يفعلوا شيئا.. يكون ما بقي من العمر قصيرا.الوقت شيء لا مرئي تحسه فقط حينما يغير الزمن معالم وجهك، ويقِل عمرك، فمادام الموت حتميا فالأفضل أن ننجز أعمالا تبرر حياتنا وتعطيها معنى وقيمة.حينما نعلم أن هناك حافلات باليابان تنطلق على الساعة العاشرة و3 دقائق، وفعلا تحترم الدقائق الثلاث، ومتاجر تفتح في التاسعة و7 دقائق لا أقل ولا أكثر، ونقارن بينها وبين مواعيد مستشفياتنا وعيادات أطبائنا ومحامينا.. يجب أن نشعر بالخجل.وحينما نعلم أن هناك عالما مصريا اسمه «أحمد زويل» اكتشف أقصر مدة زمنية عرفتها الإنسانية حتى الآن وهي «الفيمتوثانية» وحصل بفضلها على جائزة نوبل للعلوم سنة 2000، سنشعر أيضا بالخجل لأننا لا نضيع فقط ثوانيَ أو دقائق، بل ساعات وأياما وسنين، في التمني والثرثرة والعبث والفوضى، في النميمة والحقد والحسد والتشفي، في الاستهلاك دون إنتاج، في التذمر والشكوى والتطفل.قال أحدهم للدكتور «طارق السويدان» كما روى: «أنام 14 ساعة في اليوم»، فردّ عليه «ولماذا أنت موجود، مت أفضل»، ثم قال: «تمنيت لو نستطيع شراء الوقت من هؤلاء الذين لا حاجة بهم إليه.. تمنيت لو كان الوقت يشترى،لاشتريته».

هناك تعليق واحد:

katty72 يقول...

ça me fait plaisir de tomber au hasard sur ton blog car je suis une de tes fans j'aime tout ce que tu fais même si en france on a que rarement de vous nouvelles
tbarklah 3lik