الخميس، 27 مايو 2010

اللغة السرية

مفردات كثيرة غزت قاموسنا اليومي, نسمعها في كل مكان و من أفواه الكبار و الصغار, لغة أخرى غير تلك المتفق عليها و على قواعدها و أصولها, وكأن الناس محتاجين في كل زمان و مكان لكلمات أخرى للتعبير عما يخالجهم, لذلك هناك دائما لغة سرية تحيى بجانب اللغة الرسمية بل و تضايقها و تستفزها و تأخذ دوما مكانها لتقول ما لا يقال و تفسر الغامض و تحمل المجهول و تبوح بالأسرار.
لكن بعض هذه المفردات أصبحت تستعمل في غير محلها و تحمل معان غير تلك التي خلقت من أجلها, فاختلت المفاهيم و ضاعت المعاني و ارتبكت الأوصاف مثلما تغيرت ملامح العديد من التفاصيل في حياتنا.
شخصيا أسمع مصطلح "القافز" مثلا يتردد كثيرا من حولي, وبالنسبة لي "القافز" ليس كما يصفه الكثيرون بل
هو ذاك الذي استطاع أن يحافظ على كرسي الزعامة لسنين طويلة على رأس حزب يغير مبادئه كما يغير المرء جواربه..
هو ذاك الذي يحصل على أربع أو خمس مهام رسمية بأربع أو خمس رواتب خيالية فيما ليس له كباقي البشر سوى يدين ورجلين و عقل واحد..
'القافز' هو ذاك الذي علّم العباد كيف يموتون من أجل المبادئ و القيم و الحرية, فتركهم يُناضلون و يُسجنون و يُختطفون و يُقتلون, وذهب يُطالب بحصته من الوطن..
هو ذاك الذي ينتقل من اليسار إلى اليمين بدون خجل و لا ملل, هو ذاك الذي نسي ما كان و لا يعرف ما سيكون, لأن لا ماضي له و لا مستقبل, لأن لا تاريخ له سوى ما سيكسبه الآن.
هو ذاك الذي يكتب الرداءة و يبيعها و يجد من يشتريها ومن يعرضها ومن يتفرج عليها, وطبعا من يصفق لها و من يمنحها الجوائز..
هو ذاك الذي يبيع الأوهام للعباد لسنين و يربح ثمنها أرصدة ضخمة لا حدود لها وهو يعلم أنها كوابيس سوداء لن يصحو أحد منها..
هو ذاك الذي يسبح مع التيار, وينحني حتى تمر العواصف, ويكذب كما يتنفس, ويعيش بأقنعة عديدة و شعار واحد 'أنا.. وبعدي الطوفان'.
هو ذاك الذي يسحب بلاده إلى الهاوية, ويقف يبكيها مع المعزين..
يخنق القيم و المثل و يغتالها, ويقف محتجا مع المنددين..
ينادي بالحرية و الحداثة و التسامح, ويطالب برأس المُنتقدِين..
يدعي مناصرة النساء و يضطهد أقرب الأقربين..
هو ذلك الذي لا تفهم سر انقلابه عليك ولا تستطيع أن تغفر له أبدا مهما حاولت.
'القافز' من يستغل حبك أو صدقك أو وحدتك أو طيبتك أو ضعفك أو عفويتك أو بسمتك ليهديك الألم و الحسد و الحقد و البغض و التشفي..
هو من يستعمل كل ضروب الدهاء كي تخسر ويربح, كي تبكي و يضحك, كي تفشل و ينجح.
هؤلاء و ما أكثرهم هم 'القافزين', الذين يمشون على جثت الكادحين ويستغلون حاجة الكادحين وينعمون بصمت الخائفين.
لقد كثرت الكلمات و ضاعت المعاني بين ركض العباد ولهفتهم و بحثهم عن شيء ما, يتعدى النجاح و يفوق الغنى و يتجاوز الحب, وحده الزمن يعرفه لأنه شيء شبيه بالخلود, بالسراب, بالفناء.

ليست هناك تعليقات: