أغمضوا أعينكم للحظة تخيلوا أنكم تسحبون آباءكم وأمهاتكم إلى دور العجزة أو تلفظونهم في الشارع، ستقشعر أبدانكم فجأة ستفتحون أعينكم لتتأكدوا أنه كابوس مخيف استدرجتكم إليه دون حياء، لكنها حقيقة مخيفة بدأت تظهر بقوة في مجتمعنا المتغير، هناك فعلا مخلوقات ينعتون بالأبناء- ذكورا وإناثا لهم شكل إنسان، أرجل أيد عيون وألسنة، لكنهم بلا قلب.. مجرمون لهم آباء يقبعون بدور العجزة أو عند الأقارب أو يفترشون الأزقة الباردة، يلزم الإمساك بهم الزج بهم، في السجون لارتكابهم القتل العمد في حق آبائهم، لأنهم حملوا نعشهم قبل موتهم بعد أن عذبوهم دون رأفة، وقسوا عليهم ورموا بهم في الشارع غير عابئين بهم.. آباء أمهات أصبحوا يشكلون ماض غير مرغوب لأبنائهم الجاحدين الذين تخلصوا منهم كما نفعل بالقمامة، رموا بهم بعد أن انتهت صلاحيتهم، تركوهم لمصير مخزي.. حينما ترزق بأطفال، تربيهم تعتني بهم تشقى لأجلهم لا تتنبأ أبدا بمستقبلهم ولا بما سيؤولون إليه حينما سيكبرون، الأطفال كالزرع.. لا تدري إن كان سيثمر أم لا.. لكنني لا أعتقد أن أبا أو أما سيفكر يوما أن ابنه الذي رباه تعب لأجله، سيتخلى عنه في نهاية العمر حينما سيسلبه الدهر قوته عنفوانه كرامته، مستحيل أن يتوقع أن صغاره الذين كبروا سيتنكرون له حينما سيصبح لا حيلة له.. وحيدا، حزينا، جريحا مطعونا بيد كانت يوما ما صغيرة مرتعشة هو من نظفها داعبها أمسك بها كي يتعلم صغيره المشي الأكل الركض ربما الحروف الأبجدية. ما معنى أن ينتهي آباء أمهات لهم أبناء في دور العجزة؟ قد تسخر منك الحياة تشمت بك، وقد تقسو الأيام وتشحذ، لكن أن يرمي بك أبناؤك كحيوان مريض فذاك فعل لايحتمل.. حينما شاهدت تلك الأم المخذولة تذرف حبات الدمع يوم العيد، في ربورطاج إخباري عن دار العجزة بتيط مليل بالدار البيضاء، أحسست بحجم الحزن الذي تعيشه، فالدمع الغزير والنحيب المر عنوان لشعور قاس أليم موجع بالمهانة الوحدة النهاية الذليلة. أمّ تعبت سهرت ضحت في انتظار أن تكافأ من أبنائها بالدفء الستر الحنان الأمان الكلمة الطيبة، أمّ لابد أنها كانت آخر من ينام تنظف تغسل تطبخ تكوي تخيط لاتشكو.. ككل أمهاتنا الحنونات، الصابرات، المكافحات، المبتسمات دوما.. لكنها تنتهي يوم عيد وحيدة دون أبناء ولا حفدة، تستمر في خدمتهم غير مكترثة لتعبها مرضها ضعفها، سعيدة بوجودهم معها التفافهم حولها، كأن ذاك الحبل السُّري الإلهي الذي ربطهم بها أجنة بداخلها، مازال لم ينقطع وسيظل يربطهم إلى الأبد. لكن الحقيقة المريرة هي أن هناك أبناء اجتثوا ذاك الحبل السُّري رموه للقطط الجائعة، وتركوا جرح آبائهم الطري ينزف بلا رأفة، أبناء أتمنى أن يصابوا بحمى تأنيب الضمير وتتحرك جوارحهم يحن قلبهم يسارعون بضم آبائهم أمهاتهم ليستسمحوهم يغمروهم بحبهم عطفهم.. آباء أمهات أشبه بالموتى، وخزهم فلذات أكبادهم بسم الجحود القاتل، وتركوهم يصارعون الوحدة الأسرة الباردة ذكريات سنين طويلة لاعبوهم حملوهم على أكتافهم سهروا ليالي مرضهم بكائهم، وحملوا همّ تدريسهم تربيتهم رعايتهم.. لاحول ولا قوة إلا بالله.. حسبي الله ونعم الوكيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق