السبت، 17 مايو 2008

مشاهد تراجيدية

المشهد الهندي

لهم حضور مقلق، على وجوههم حزن وشرود، نظراتهم غائبة وأجسادهم نحيلة...

للفقراء شكل واحد، وحزن واحد، وجراح مختلفة...فلكل واحد قصته... لقمة العيش.

الهنود الذين يملؤون كل شبر من أرض دبي لا يعرفون سوى العمل والطاعة والاستجابة...يكدون في صمت، يشيدون الأبراج والفنادق والطرقات والجسور والحدائق...ويفترشون الأرض، يعملون تحث شمس حارقة تلفح أجسادهم الضعيفة، وتلهب وجوههم التعبة، يأكلون جالسين جماعات على الأرصفة... على رصيف الحياة القاسية، الظالمة، المستبدة، المستغلة...، ينتهي يومهم الطويل ليستقلوا حافلات خاصة بهم، لا يركبها غيرهم، في انتظار شمس أخرى.

وجودهم شبيه بالإشارات والملصقات، لم يعد يلفت انتباه أحد...يذكرونني بأجدادنا وآبائنا الذين بنوا مجد أوربا بسواعدهم وغربتهم وشقائهم...

بآلام لا تصفها الكلمات...

المشهد المغربي

ـ خليع ـ

لهن حضور مقلق ومستفز، على وجوههن مساحيق بذوق مبتذل، فتيات اكتشفن الترف السهل، مومسات محترفات يغازلن المارين... القادمين والمغادرين وعابري السبيل، لا تظهرن إلا ليلا، كالخفافيش والسارقين والقتلة... تتعرف بسهولة على لكنتهن الأطلسية وعل عبق بلد دنسن كبرياءه على أسرة الدعارة...

دخلت أحد الصالونات فصفعتني رائحة السجائر والضحكات الفاجرة... سألت إن كان المكان مخصصا لهن فدخلناه خطأ...أجابت مرافقتي: " تجدينهن في كل مكان، في كل قاعة تجميل، في كل مقهى، ملهى، فندق...غزيْن الخليج كالجراد واستولين على دبي وأصبحن أهم سلعة في سوق الدعارة العربية...

المشهد الإماراتي

مظاهر الفقر كقصص الطلاق، متشابهة كالألم والتمزق، ومظاهر الغنى متعددة ومختلفة ولا تتشابه مطلقا... والترف لا حدود لتجلياته، يبدو أحيانا ككذبة، كالمستحيل...

دبي مدينة العمالة الهندية والفلبينية المشردة، وفي الآن ذاته مدينة الثراء والأموال... مدينة تفخر بثرائها... لا تخفيه، لا تخاف أن تحسد عليه... يبديه في أغرب حالاته وأكثرها احتفالية واستعراضا...

طائرات الهيلكوبتر تحلق من المكاتب إلى المنازل، فالشيوخ لم تعد تسعدهم الطرقات، أصبحوا توجهون نحو بيوتهم ـ عفوا قصورهم ـ بالطائرات الخاصة...لتنزل الطائرة بسلام في حديقة القصر الشبيه برياض الأندلس المفقودة...

أما مهرجان دبي السينمائي الدولي، فقليل من السينما وكثير من البذخ...

تذكرت وأنا أعبر السجاد الأحمر رفقة المخرج التونسي نوري بوزيد وممثله الموهوب لطفي البدلي، وقد نزلنا للتو أنا والمخرج السوري ميار الرومي من سيارة بطراز ساحر...

تذكرت مهرجان مراكش السينمائي الدولي... شتان بين الاثنين... مراكش الروح والحياة والدفء والسينما...

هنا المفاهيم والقيم تحسب بالمال والذهب والفساتين...

كان فستاني جميلا، وملامحي مختلفة لأنها لم تخضع لجراح... هكذا قيل لي " مغربة مختلفة" تقدم مشهدا مغايرا للمشهد المغربي المأساوي السابق.

مشاهد تراجيدية بجنسيات مختلفة...بطلها الإنسان ومكانها مدينة المتناقضات والتحدي...حاضرة بعثت من صحراء قاحلة، تفخر بإنجازاتها وتبديها بغرور ومغالاة...ليست عنوان الغنى والأحلام السعيدة فقط، هي مشاهد تراجيدية أيضا، أبطالها تجاور أحزانهم أفراحه، وكوابيسهم أحلامها، وفقرهم ثراءها الفاحش .

ليست هناك تعليقات: