الأحد، 21 فبراير 2010

إنتاج المعنى

تبدو الحياة رتيبة قاسية إن لم يكن لوجودنا معنى و لعطائنا قيمة, تبدو كعبء متوارث يبدأ خفيفا و ينتهي ثِقلا مضاعفا تحمله على ظهرك فتنحني من وطأة الأيام و عناد السنين.
هكذا نعيش مستسلمين للزمان إن أعطانا نفرح, وإن سلَب منا نغضب و نيأس و نكتئب وهكذا.. نركض طويلا لنصل و حينما تظهر بوادر أمل نكون قد بلغنا خط النهاية لنرتاح و ننام تلك النومة الأبدية حيث يصمت كل شيء و يركن و يهدأ.
فتمر حياتنا قصيرة في العطاء طويلة في الألم و التذمر و الشكوى, والبحث عن سعادة ما مركونة في زاوية, مدفونة بين أغراضنا و أحلامنا و ذكرياتنا, لأننا نحيا خاضعين و لا نعيش مُتحَدّين, صامدين و طموحين, نتذوق الحياة بأمل و نسبقها لنسحبها حيث أردنا لا نتأخر و نتعثر لتجذبنا حيث أرادت, نكاية بالقدر و مفاجآته السارة و المحزنة, المفاجئة و المنتظرة, المتوقعة و الصادمة.
هكذا فقط نُنتِج المعنى, لنصبح فاعلين نخدُم مجتمعنا و نؤسس حياتنا و نستغل وقتنا, و نبني بلدنا و نعيش بكرامة. نٌنتج المعنى في كل تصرفاتنا و سلوكاتنا, في دراستنا و علمنا, في حديثنا..
في تربيتنا لأطفالنا, في حبنا, في حزننا..في عبادتنا.
حينما تبتعد عن نفسك و عن الناس, و عن فوضى الجسد و ثرثرة اللسان تخرج من جسدك و تختلس النظر للحياة من بعيد, تحزن لما ينتجه العباد من خراب و يأس و قتل و صراع و حمى الأموال و الكسب الحرام, و تصدم لما يقع للطبيعة من تدمير و وأد للكائنات و للمستقبل و الحياة,وتلمح نفسك بأسى و أنت تنتج العبث و الضياع و تبذر وقتك و عمرك في التفاهات و في الأحاديث الجانبية و جلسات اللغو, وفي أحاسيس مرضية يختزلها الحسد و الغيرة و الكذب و الادعاء.
ما الذي ننتجه من معاني؟ طرقاتنا ساحة حرب مفتوحة نعد قتلانا و جرحانا منذ زمن, دون أن نستطيع وقف المعركة و سفك الدماء, ونجلس على كرسي القيادة نسوق بمعاني الرقي و التسامح و احترام الروح التي كرمها الخالق.
أي معاني نزرعها في أطفالنا كل لحظة, كي يحملوا الكتب و يقرؤوا و يتعلموا و يكبروا عقلا و قلبا وروحا..وليس جسدا ورغبات فقط.
أي معنى ينتجه إعلامنا, سياسيونا, أحزابنا, أساتذتنا, وزراؤنا, مثقفينا و رياضيينا, فقهاؤنا..لنرتقي و نبلغ إنسانيتنا و نكون مؤسسين و مدافعين عن قيمنا و ثقافتنا و حضارتنا و عن وحدتنا.
وهل ننتج أصلا أفكارا بمعنى, و سلوكات بمعنى, و مخططات بمعنى..أم نتلقف فقط ما ينتجه غيرنا و نعيش على بقايا أفكارهم و معتقداتهم كأننا بلا عقل و لا مواهب نستهلك ولا ننتج, نخضع و لا نحكم..نساق و لا نقود.
رقي المجتمعات يقاس بما ينتجه أفرادها من معنى في كل مجالات الحياة, في أبسط تفاصيلها و أقوى تعقيداتها, فيما يقدمه الفرد لأسرته و لمجتمعه و لبلده و لنفسه, في عطائه القوي و المتجدد و ليس في مكاسبه الضيقة و انتصاراته الوهمية و سلوكاته الدنيئة بدءا بالكسل و الخنوع و انتهاء بالرشوة و التزوير و الاختلاس.
لذلك يحق لنا أن نسائل أنفسنا, كل من موقعه..هل حقا ننتج المعنى و إن كان الجواب "طبعا" لا, فلنجعله سؤالا يؤرقنا و يستفزنا و يلهبنا و يقلق سكوننا, فالتغيير يبدأ دوما بطرح الأسئلة.

ليست هناك تعليقات: