
أزمة اقتصادية عالمية تلهب الأسعار وتربك الموازين، وصراع محتقن بين الأديان لا أفق لنهايته، تفكك أسري واضح وارتفاع نسبة الطلاق، أزمة في التعليم والطب والقضاء وحرب الطرقات تحصد مزيدا من الأرواح، سنة المآسي بامتياز.. أخبار مؤرقة وأحداث محزنة ومستقبل بلا ملامح، معنويات تحت الصفر وانتظار وترقب وخوف وانعدام الثقة. إلى أين نمضي؟ ما كان ينقصنا هو حرب همجية ظالمة تقضي على ما تبقى من الحياة في أوردتنا، تفضح ضعفنا ورخصنا، تجهز على ما تبقى من كرامتنا، لقد تآلفنا مع الهزائم وتعودنا طعمها، استعذبنا النكسات والنكبات والهزائم.. تغنينا بها صغارا ورددناها شعارات ونحن كبار، لم يعد الفشل والهوان يزعجنا، أصبحنا نهيئ أنفسنا لأسوأ الاحتمالات غير عابئين بحجم الذل والاغتراب المهين الذي تصلاه أرواحنا. أحيانا يتعذر عليك النوم وأنت تسمع صوت الليل، تلزمك مواد مخدرة للضمائر بأن تنام، ضميرك الصاحي يعذبك دون رأفة ويسألك بحرقة، إلى أين تمضي؟ أحيانا تعجز عن التقاط طرف الخيط، تحاول عبثا أن تتفهم لماذا نشبه الجرائد العربية المهاجرة، تسكن أروقة المطارات الباردة ومقاهي المغتربين الموحشة، لماذا لا حيلة لنا؟ ضعفاء وجبناء ومنبوذين... صرخاتنا دون صدى، وصوتنا غير مسموع ووجوهنا شاحبة وحالنا لا يسر عدوا ولا صديقا. سنين طويلة ونحن نجر الخيبة، ورثناها عن أجدادنا حمّلونا عبأها وثقلها حتى سممت أيامنا إلى آخر العمر، خسر أجدادنا حروبا كثيرة وضيعوا ممالك كثيرة، تدحرجوا إلى الأسفل وتركونا نبكي الأمجاد الغابرة بروح مخذولة.. لا نجيد غير الكلام والمشاورات وتبادل القبل ورسائل الشجب والرفض والتنديد، نحترف الخطابات الطويلة المملة والوعود الكاذبة، نمني النفس بغد جميل كم يبدو بعيدا.. أظنها حمى الكلام تعبث بعقلي، فمن يتحمل كل مشاهد القتل والدمار التي تتسابق القنوات الإخبارية على بثها، من يقوى على السيطرة على أعصابه ودموعه أمام جثت الأطفال الأبرياء الذين لم يتوقعوا أن تكون هدية رأس السنة قنابل تحرق أحلامهم، من يتحمل بكاء النساء وصراخ الجرحى وأنين مدينة محاصرة تستغيث ولا من مجيب... إلى أين نمضي بضعفنا، بصمتنا، بخوفنا، بعجزنا، باستسلامنا المهين. تساءل الراحل محمود درويش «في حضرة الغياب»: «أي داهية قانوني أو لغوي يستطيع صوغ معاهدة سلام وحسن جوار بين قصر وكوخ، بين حارس وأسير؟ وتسير في الأزقة خجلا من كل شيء: من ثيابك المكوية، ومن جماليات الشعر، ومن تجريدية الموسيقى، ومن جواز سفر يتيح لك إمكانية السفر إلى العالم. يصيبك وجع في الوعي. وتعود إلى غزة المتعالية على مخيماتها وعلى اللاجئين، المتوجسة من العائدين، فلا تعرف في أية غزة أنت. وتقول: أتيت ولكنني لم أُصِلْ. وجئت، ولكنني لم أَعُد». سيكون حزينا في قبره، سيحدثه الشهداء عن ضمير العالم.
هناك تعليق واحد:
لنعترف أننا مهزومون حكاما وشعوباوأن أشرفنا أشرف منه كلب جبان
ما عاد يشرفني أن أنتمي الى هذا الكوكب الأحمر
مع دخول القوات الإسرائيلية إلى بيروت سنة 1982 لم يتحمل الشاعر خليل حاوي ما رآه فأطلق النار على راسه في منزله في شارع الحمراء
الآن نشرب الأنخاب ونشاهد المسلسلات التركية والمكسيكية واللقمة نرى دم الانسان فيها فنبتلعها هنيئا مريئا
أمام موقفي السلبي وموقف الانسانية التي ماعاد يشرفني الانتماء اليها أعلن أنا شكيب أريج أني أدخل في إضراب عن الطعام إلى حين موتي..
قد يبدو موقفي سلبيا لكنه أحسن من موقف الفنانة السورية التي تعرت في ساحة بأمريكا احتجاجا على ما يقع في العراق وفلسطين..
وقد يبدو أن لا جدوى منه لكن اللاجدوى الحقيقية هي أن لا يحرك أحد ساكنا وأن نكتفي الشجب والندب..
أعلن إضرابي حتى الموت أو حتى ايقاف النزيف وليتحمل كل واحد منا مسؤوليته التاريخية
شكيب أريج
المغرب/طاطا
إرسال تعليق