الأحد، 7 ديسمبر 2008

الأخلاق والمهنية

سألت زميلا صحفيا عن سبب تخليه عن وعد قدمه لي، فأجابني: «الصحافة هي المهنية قبل الأخلاق»، وإذ أفاجأ بهذا المفهوم الملتبس لأرقى وأهم وأخطر المهن والتي صنفها الأذكياء سلطة رابعة، أجدني مرة أخرى أمام سلوك شاذ يتعذر علي استيعابه، وأمام سؤال محير: هل هناك مهنية بلا أخلاق؟ وقد صدمت فعلا كوني مرهفة جدا أمام تلك الأخطار المبهمة التي تحف بك وتفاجئك وصدمات الرفاق التي لا تأتي دائما من الجهة غير المتوقعة، لذلك حملت سؤالي أحترق به وتوقفت لحظة أنظر إلى عيون كلبي «روميو» وأسأله: «هل الوفاء شيمة الكلاب دون العباد؟». أنا لم أدرس الصحافة، لكنني أحببتها من خلال أسماء رائعة جعلتني لسنوات أدمن قراءة الجرائد وتتبع الأخبار وقص ما يروق لي من الزوايا والأعمدة، أسماء اشتغلت بنبل وكتبت بمداد الحب والاحترام والمسؤولية والمصداقية والعفة.. وبكل ما أوتيت من أخلاق. صحفيون كانوا يحملون أقلاما من الجمر، غامروا بأرواحهم ومستقبلهم وأولادهم وصحتهم من أجل صحافة حرة نزيهة، كريمة صادقة، وبذلك استحقت أن تسمى وبجدارة مهنة المتاعب، لما تجلبه من عناء ومشقة ومشاكل وحروب لرجالها الشرفاء.. هذا هو المفهوم الوحيد الذي لطالما أغراني وجذبني إلى عالم الصحافة وجعل الصحفيين محط احترامي واعتزازي وتقديري وانبهاري.. أما أنّ «الصحافة هي المهنية قبل الأخلاق» فأنا أرفض ذلك ولا يمكن أن أتبنى هذا المفهوم أو أؤيده، لأن لا مهنية دون أخلاق، وكل مهنة هي رائدة بأخلاق مهنييها سواء كانت طبا أو هندسة أو محاماة أو فنا أو قضاء، وما غير ذلك لصوصية وكذب وادعاء وافتراء وجبن وضعف وكذب واستغلال وبؤس واصطياد في ماء عكر. يمكنك أن تفهم هوية الناس الذين يمرون أمامك، لكنك أبدا لا تتوقع ماذا يخفون.. قد يتراجع أحدهم عن كل مبادئه بسهولة ويسر ويتنكر لها.. وقد يغير مفهوما علميا أو فلسفيا أو دينيا لمجرد تبرير أخطائه. لذلك إن وعدني أحدهم مستقبلا بأمر يخص العمل سأسأله مسبقا إن كان يعمل بمهنية بلا أخلاق، أو بلا أخلاق ولا مهنية أو بأخلاقيات المهنة قبل أن أثق به وأتعرض لمكره.

ليست هناك تعليقات: