الأحد، 26 أكتوبر 2008

الجمركي النحيف



منذ بداية شهر أكتوبر وأنا ضيفة على مدينة أكادير، ألعب دور «سارة» في فيلم تلفزي يحمل عنوان «تسعة شهور» وأحمل في مشاهده توأما يحيي بداخلي عاطفة الأمومة ولو مدة فيلم، ليست فقط هذه العاطفة ما يدفئني بل كذلك طقس أكادير الرائع، وتلك الشمس المشعة الدائمة التي تجعل المدينة تثير حسد جاراتها الغارقات تحت السيول والأمطار وصقيع الثلوج الباردة. يوم عطلتنا الأسبوعي، قررت رفقة مخرج الفيلم ومدير الإضاءة الفرنسيين أن نقوم بجولة، نصعد إلى «أكادير أوفلا» ثم ننزل لنتمشى قليلا على الشاطئ، وفعلا احترمنا البرنامج وانتهت بنا أقدامنا على شاطئ ناحية تغازوت تسكنه كلاب كثيرة وعلى جنباته بعض الأجانب يأخذون حمامات شمسية ويلقون بأجسادهم البيضاء جدا في الماء البارد، حتى أن القشعريرة كانت تلبسني كلما قفز أحدهم في البحر.. جلسنا على الصخور بكامل «ملابسنا» نشرب «ماء معدنيا خالصا» ونتحدث عن الحريات والصحافة والسينما وفرنسا والسياحة، تلك المواضيع نفسها التي تحضر في كل نقاش ودي عادي، إلى أن اقترب منا «جمركي» نحيف يضع نظارات شمسية ويصطنع الصرامة والجدية، فقال لي : «ماذا تفعلون؟». كنت أيضا أضع نظارات تعمدت عدم إزالتها، فقد كنت أعرف كيف سيبدأ «هو» كلامه الممل المخجل وكيف سأختمه «أنا» بسرعة وبدون أن أتركه يعكر يوم عطلتنا الوحيد. سألته: «ما التهمة؟» أجابني بثقة: «مرافقة الأجانب». قلت له :«لم أسمع قط بأن مرافقة الأجانب تهمة، لقد سقطت منك سهوا بقية «التهمة» مرافقة الأجانب في حالات مخلة بالآداب، وإن كنت ترغب في أن أشرح لك معنى الإخلال بالآداب فلا مانع عندي». استغربت لجمركي يمر بشاطئ به سياح يسبحون وكلاب لست أدري ماذا تفعل يقترب مني لمجرد أن شعري أسود ولوني يشي بمغربيتي ليتهمني دون خجل بمرافقة أجانب رغم أنني أجلس باحترام فوق صخور عالية (وليس تحتها) تحت ضوء الشمس في شاطئ عام (و ليس خاصا)، والمثير للغضب أن المشاهد المخلة بالآداب والقوانين والأعراف والأديان تراها بعين مجردة في كل مكان، ولا يتدخل الجمركي النحيف وأمثاله لردعها والقيام بواجبهم المهني والأخلاقي حيالها، بل الأفظع من هذا أن بعضهم يحمون تلك البيوت الفخمة والقصور الفاخرة، حيث تأتي حافلات محملة بأصناف مختلفة من اللحوم البشرية لصبيات في سن الورد لينعم بها أولئك الحقراء الأنذال الذين لن يجرأ جمركي نحيف بنظارات أو بدونها على الاقتراب منهم. والمخجل إلى حد القرف أننا كلنا نعلم أن الجمركي إياه قدماه حملتاه إلينا ليس شهامة أو غيرة بل لأنها فرصة لاقتناص بعض الدراهم، خصوصا حينما يصادف فتيات يرعبهن «الجدارمي» وتفزعهن «لابريكاد، الله ينجينا وينجيكم منها»، أو بعض الأجانب الذين لا يعرفون البلد جيدا، ويحملون في أذهانهم تلك الصور المفزعة عن البلاد الإسلامية التي يشاهدونها في يوتوب. بعد أخذ ورد ابتعد الجمركي بعد أن ابتسم بصعوبة وألقى التحية على رفيقي الأجنبيين، كان يجر حذاءه في الرمل بخيبة، وكنت أشعر بحرارة الخجل تتملكني وذاك الإحساس الشفاف الذي يهزك حينما تخدش كرامتك.. إنه فعلا لأمر مؤسف أن تنهي جولة هادئة يوم عطلتك بجمركي نحيف يضع نظارات شمسية ويتقدم نحوك بخطى متثاقلة ليتهمك «بمرافقة الأجانب».

ليست هناك تعليقات: