الجمعة، 12 سبتمبر 2008

أبشِروا..


أبشِروا.. فرمضان الفضيل المقبل لن يكون كسابقيه، سيكون شهرا مختلفا لم نعش مثله قط، كل شيء سيتغير وسنلاحظ ملامح هذا التغير المدهش أياما قبل حلوله.. لن يتقاطر الناس على الأسواق كأن مجاعة أو إعصارا مرتقبا، أو وباء فتاكا، أو هجوما مباغتا لعدو أرضي أو جوي يهدد البلد، لن ينكب العباد على اقتناء أغراض المطبخ والمعدة، أبدا.. سينشغلون بتحضير أنفسهم للقاء الله، للخشوع والعبادة والتنسك والتزهد.. سيقضون أياما معدودات في الذكر والتقوى وتلاوة القرآن وقيام الليل.. سينصرفون عن اللهو والركض خلف الثروات، إلى الصلاة والتعبد وفعل الخير، لذلك أبشِروا.. لن تعلو أصوات الصائمين بالصراخ والعراك في الشوارع، سيتعامل الناس بكل رصانة وسيسوقون برزانة ويتحدثون بعيون باسمة، لن يتذمروا ويشتموا ويتحاربوا، مطلقا.. سيتصرفون بمثالية نادرة، وبفيض من الحب والمودة والعطاء، ولن يستغل التجار هذا الشهر المبارك ليغشوا بلصوصية كبرى، سيتاجرون بذمة وضمير ومسؤولية، وسيوزعون جزءا ليس باليسير على الفقراء والمعوزين، فشهر الصيام فرصة لتذكر أولئك البؤساء المحرومين من كل ملذات الموائد.. هناك من يرمي بالأكل في القمامة، وهناك من يضايق القطط المتجولة في الاقتيات منه.. إنها مظاهر زائلة، لن تخدش أبصارنا بعد اليوم.. فأبشروا سنشغل التلفاز وسنشاهد أعمالا درامية مغربية ستسحق المسلسلات السورية وتخجل المصرية وتحرج التركية، سنرى ممثلين رائعين وقصصا مشوقة وديكورات مبهرة.. أعمالا قوية متكاملة ستأخذنا في رحلة ساحرة طيلة الشهر الكريم، وسنصفق لها بحرارة وستُسيل مداد النقاد، وستغزو مقالات الإشادة والتنويه كل الصحف اليومية، وسيخصص رشيد نيني عموده الرائع طيلة الشهر لتحليل تلك التحف الفنية، ومناقشتها وتفسير أبعادها الجمالية والفلسفية والفكرية.. فأبشروا.. سيتآخى الناس ويتراحمون ويتعاونون ويتسامحون.. فلا مدمن سجائر يعكر يومك، ولا صائم مضطر يفسد صيامك، ولا كلمات نابية تخز أذنيك، ولا موظفون شبه نيام يستقبلونك بوجه عابس وبسحنات مخيفة ومزاج عكر.. إنها صور ستصبح من الماضي البعيد، فقد حلمت بأن رمضان المقبل سيكون استثنائيا، لست أدري هل كان حلم منام أم حلم يقظة، أو أنني شردت فخيل لي كل هذا، فاستفقت لأبشركم بأماني لست أدري لماذا لم تحن ساعتها بعد؟ لم مازالت بعيدة المنال، عصية على التحقق.. أنستيقظ يوما ونجد الحلم بشرى حقيقية؟ في انتظار ذلك، كل رمضان وأنتم بألف خير.


بانوراما : جريدة المساء

ليست هناك تعليقات: