الاثنين، 14 يوليو 2008

سفيرات الذل و المهانة

الزمان : 20 أبريل 2007
المكان : مطار دمشق الدولي

المشهد الأول :
دركي الحدود : (وهو ينظر إلى جواز سفري) فنـــانة، أي تخصص ؟
أنـــا : ممثلـــة وكاتبة و مخرجة ..
دركي الحدود : مهنة فنانة في الجواز المغربي لها وضع معين (كان يقصد، لها معنى و مفهوم واحد و هو عاهرة) و لازم أكلم المسؤول عن الأمن ..
طلب مني بلطف مع نظرة ازدراء أن أرافقه إلى مكتب الأمن العام ..

المشهد الثاني :
خمس ضباط كبار بنجوم و نياشين يتناقشون في جلسة ودية ..
وقفت أمام الباب .. لم أدخل، لست أدري أهو الخوف الفطري من الزي العسكري أم عبثية الموقف ..
دركي الحدود : الآنسة مغربية، جوازها بصفة فنانة ..
أحد الضباط : (مبتسما) أنت ممثلة، شاهدتك في مسلسل سوري .. أعتقد، وجهك مألوف بالنسبة لي، أعرفك..
أنــــا : قدمت دول بطولة بمسلسل "سيد العشاق"
ضابط آخر : شرفت الشام، شو سبب الزيارة ها المرة ؟
أنا : المشاركة في محترف لكتابة نص مسرحي ينظمه المسرح الملكي البريطاني و المجلس الثقافي البريطاني ..
ضابط الأمن : أهلين و سهلين ..
أنــــا : (بمرارة ) قال لي عسكري الحدود أن للمغرب وضع معين، هل من الممكن أن يشرح لي قصده ..
ضابط الأمن : كل الفتيات اللي بيرقصو بالكباريهات و اللي – معذرة لا تآخذيني يا ستي .. – يمارسو الدعارة، مغربيات بجوازات سفر بصفة "فنانة"
أنـــا : المغرب ما بيصدر بس عاهرات، في كثير نساء محترمات و شريفات
ضابط الأمن : غيريه ها الجواز .. حطي أي شيء بدل "فنانة" و حقك على راسنا من فوق.. و أهلا وسهلا فيك و لن يزعجك أحد بعد اليوم ..
غادرت المطار بإحساس مرير و توثر، سأحاول التعبير عنه بأن أستعير من رشيد أسلوبه في الكتابة بالدارجة باش نفش قلبي، حينت هادشي راه حشومة و عيب و عار.. لقد تحدثت عن هذا الموضوع في مقالة سابقة، إذ تعرضت لنفس الموقف قبل ثلاث سنوات .. و إن كنت الآن أتحمل جزءا من المسؤولية في عدم تغيير مهنة "عــاهرة" عفوا "فنانة" من جواز سفري.. لكن ما حز في نفسي أن صورتنا في المشرق ليست أبدا المغرب أجمل بلد في العالم، و لم نعد أبدا نذكر بجنودنا الشجعان بالجولان أو بسعيد عويطة و نوال و الكروج و نعيمة سميح و المهدي بن بركة الذي يحمل شارع بدمشق اسمه .. أصبحنا نصدر بائعات الهوى و القتلة .. فقد تعرض زميلي المخرج جواد السوناني المقيم بفرنسا لمضايقات في الحدود أيضا، وقد علم أن معظم المغاربة القادمين إلى سوريا من أوروبا، يعبرونها للذهاب للقتال بالعراق.. ولاو غير كيعرفوك من المغرب كيكحلو بالعما ..
35.000 مغربية يمارسن الدعارة بالأردن يحملن جوازات سفر بمهنة "فنانة" منين كيجيبوا شهادة العمل؟
من يسلمهن وثائق تثبت كذبا و زورا أنهن فنانات ؟ أكيد شي واحد فنان حتى هوا، له علاقة مباشرة بالمجال الفني.. و له منصب مهم يعطيه صلاحية تسليم شهادات العمل بمهنة فنانة، لم لا يفتح تحقيق في الموضوع ؟ من يكون هذا الحقير ؟ هذا الخائن الذي يتاجر بسمعة الوطن و شرفه ..
مؤخرا قرأت بإحدى المجلات حوارا مع وزير الاتصال و زوجته و قد فوجئت بأنها فخورة جدا كونها عينت سفيرة القفطان المغربي بالخارج .. استغربت لسيدة حاصلة على دبلوم مهم من جامعة موريال تنهي مشوارها العلمي ظلا لرجل و سفيرة ديال بلعاني .. هادوك السفيرات ديال بصح اللي مشوهين المغرب في الشرق راه كيديو معاهم القفاطن و الجلالب و البلاغي و الخليع و أملو و الشباكي و كعب غزال، و كيطيبو تما كسكسو و الطاجين و أتاي و الزعلوك.. و أظن أن لياليهن الحمراء يحيونها بالطرب الأندلسي و عيساوة و الملحون و الشيخات و المرساوي .. ما نحتاجه الآن ليس سفيرات القفطان و الرغايف و كرينبوش و الببوش.. نحن في موقف حرج، مخزي و مهين يجب أن يسافر وفد من النساء المحترمات على أعلى مستوى سياسيا و فنيا و نقابيا و فنيا و رياضيا في مهمة رسمية لتصحيح صورة نسائنا العفيفات بالشرق العربي.. يجب أن يعجلن بالسفر إلى الأردن و سوريا و الإمارات و البحرين .. و كل الدول اللي تفضحنا فيها..
حينما خرج زميلي جواد من فندف الشام للقيام بجولة في دمشق، اقترب منه أحدهم و قال له : " إذا أردت السهر وقضاء ليلة ممتعة، رافقني .. لدينا مغربيات !"
و المثير للتساؤل أن الشرقيات لا يمارسن الدعارة إلا في حالات قليلة جدا لذلك يضطر أصحاب الملاهي لاستقطاب المنتوج المغربي.. كذلك الرجال الشرقيين ما كيرضاوش.. إيلا سمع ختو كترقص فالكباري هاديك هيا الأخرة لها .. أما احنا ما بقاو عندنا رجال.. تخرج الفتاة للدعارة و كتجيب لخوها عشرين درهم، كيلقاها حدا راسو قبل ما يفيق.. و أدعو علماء النفس و الاجتماع لدراسة هذه الظاهرة و إفادتنا بتحاليل ربما تفك هذا اللغز..
كان سفري لدمشق موفقا، وقد مثلنا المغرب، كمال الخالدي و جواد السوناني و أنا أحسن تمثيل، سأعود إلى تفاصيل مشاركتنا في المحترف مستقبلا.. وقد شعرت بالفخر حينما أخبرتني مديرة العلاقات الدولية بمسرح روايال كورت و الكاتب البريطاني ديفيد كريك أنهم يفكرون بجدية في أن ينظموا الجزء الثالث من المحترف بالمغرب.. و بأنهم أعجبوا كثيرا بمستوى المشاركة المغربية، و بأسلوبنا في الحوار و النقاش و سهولة استيعابنا للمفاهيم المسرحية الحديثة و اشتغالنا عليها ..

المشهد الأخير :

أغادر مطار دمشق، عسكري الحدود الحدود يتفحص جواز سفري.. نفس النظرة .. ركب اسمي بجهاز الكمبيوتر ثم نظر لي مبتسما و مداعبا : أهلا و سهلا ..
" الحلوة كاتبة و مخرجة سينمائية .. و ين بهوليود ؟
لقد وعدني ضابط الأمن أن لا أحد سيزعجني مرة أخرى.. وضع على حاسوب الأمن السوري تنويها مرفقا بمهنتي الحقيقية .. حماية لكرامتى و غيرة و رجولة و نبلا و احتراما و اعتذارا ..
ينزل الستــــار.

بشرى اجورك
المساء

ليست هناك تعليقات: