bouchra_ijork@yahoo.frهناك مدن تكبر بداخلك، ترافقك طفلا في أناشيدك، ثم مراهقا في أحلامك وأشعارك ثم ناضجا في ثورتك وشعاراتك، وقد تفتح ذراعيها لتحضنك يوما، أو قد يظل الشوق جارفا والحنين صور ترسمها مخيلتك عن شوارع ونوافذ وشواطئ وجبال اختزلتها أغان وأفلام وقصاصات أخبار وهدايا بعبق تلك المدن. لقد ارتبطت أقاليمنا الصحراوية بقضيتنا الوطنية، وبصراع تم تعتيمه إعلاميا، فكنا نسمع عن جنوب لبنان أكثر مما يصلنا من جنوب المغرب.. لذلك دخلت مدينة العيون وأنا أحمل مشاعر وصورا غامضة، وأحاول أن أقرأ ملامح المدينة علها تهمس لي بأسرارها، ربما تخبرني بما لم تقله الصحف يوما ولم تصرح به المواعيد الإخبارية الطويلة المملة. مدينة جميلة تفترش الرمال، مستلقية على شاطئ ساحر، أهلها طيبون حد الإحراج، نساؤها حسناوات شامخات، وشمسها تعد بغد جديد.. هكذا من أول نظرة تكتشف العين زيف ما تردده الألسنة.. لذلك علمني السفر ألا أحد غيرك يخبرك حقيقة المدن وخزائنها. لم أتردد في قبول دعوة الملتقى السينمائي الدولي لمدينة العيون، وتوجهت مباشرة بعده إلى مهرجان المسرح بمدينة طاطا.. كأنني أبحث عن سر ضائع في عراء الصحراء، أغرس يداي في الكثبان الرملية وأفتش عن أجوبة لأسئلة كثيرة ملتوية ومستعصية. هناك وكالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للأقاليم الجنوبية، لكنني لم أشاهد سوى التنمية «الربانية».. شاطئ مغر وأسماك بطعم لا يقاوم، واحات نخيل ورمال ذهبية وقرص الشمس الملتهب.. مدن مازالت على سجيتها، منازل ترابية وشوارع ممتدة إلى ما لا نهاية، فراغ قاتل ووعود مجمدة.. وجيل كامل من الشباب الصحراويين تربى على ثقافة الهبة والمنحة وأصبح يعتبر «الصدقة» مكسبا لا تنازل عنه.. جيل مرتش وبرامج تنموية وهمية، ومبادرات فردية للتغلب على بعد المسافات وقسوة الجغرافيا وعلى العقليات المتحجرة، من خلال مهرجانات سينمائية ومسرحية تفك العزلة وتربط شمال المغرب بجنوبه، وتجدد التواصل وتصل الأرحام.. الصحراء لغز تحمله الجمال في ترحالها، النساء في الثوب الملتوي المنساب الذي يعري أنوثتها، النخيل الشامخ المتعالي الذي لا ينحني.. مسافة طويلة تربط مطار أكادير بمدينة طاطا، والتي لم أكن أعرف مكانها رغم أنني كنت مجتهدة في دروس الجغرافيا.. المفاجأة أنك حينما تصل منطقة «إيسافن» تجد العديد من الشابات الجميلات على جنبات الطريق، بعضهن وحيدات ومعظمهن رفقة شبان، وقد علمت أن هناك ظاهرة خاصة بالمنطقة ونواحيها منذ آلاف السنين اسمها «الصْقَرْ»، وهو خروج فتيات المنطقة للقاء شبانها على ضفاف الوادي أو بمحاذاة الطريق من أجل الغزل.. يتحدث الشابان مع بعضهما بحرية، يتغازلان، يتبادلان عبارات الإعجاب والحب في إطار العفة والوقار والحشمة، وتحت أنظار المارة من الأهل والأصدقاء والجيران.. وعلى الشابين أن يبديا محاسنهما من خلال الكلام المنظوم الرقيق والغزل العفيف، وغالبا ما تنتهي القصة بالخطبة والزواج.. ويعتبر «الصْقير» نشاطا أساسيا للشابات بعد الزوال -وللشبان طبعا- يتزين ويتجملن ثم يذهبن إلى موعد العشق والغزل، وقد يسأل الأب عن ابنته فيكون الجواب بالأمازيغية «تدا أتصقر» أي أنها ذهبت للغزل.. يبدو لي الأمر رومانسيا.. غزل على ضفاف الوادي، أليس أروع من كلمات باردة عبر الإميسين أو الإسميس؟
هناك 4 تعليقات:
إنني أحاول دائما قراءة آرائك عبر جريدة المساء المحترمة وأقدر فيك تـلك الأفكار التي من خلالها تفجرين الغضب عبر الكلمات ..فالفنانة ان تكون متقفة او لا تكون
ana/min/mo3jibi.bi.
bouchra/ijorke/-wa/ahiboha/katiran/
صرخة الضمائر.فعلا تستحقين التنويه.
فعلا تستحقين التنويه سيدتي الجليلة.غزارة الكلمات المسترسلة الدالة على الشيئ المتحدث عنه.اعجاب يستحق الاعجاب.وتقدير واستحقاق.كني كما تحبين انسة بشرى.فلك مني ازكى سلام.
إرسال تعليق