السبت، 14 يونيو 2008

قبلة اعتذار


أضعها على خدي بلال الطريين، ذلك الطفل الصغير الذي نشرت صورته على صفحات هذه الجريدة وهو يتعرض للإهانة متشبثا بظهر أمه كغريق، تلك المرأة المسكينة التي دفعتها الظروف إلى تعقب زوجها أمام المحاكم والسجون، وكأن لعنة غامضة حلت بها وبالصغير«بلال»، فلا الزمن يرحم ولا الألسنة ولا الأسعار الملتهبة، ولا حتى عميد يقدم خدماته دون مشاعر في وضح النهار.. رجل فظ بلا قلب، يهين هذه المرأة المخذولة ويعنفها ويقذف بها أرضا هي وصغيرها، بحقد وكره وقسوة مخيفة، يفرغ فيهما شحنات الغضب ووهم العظمة والسلطة الذي يسكنه.. وقد سبق أن رأيت مشاهد مماثلة لنساء يحملن صغارهن ويركضن خائفات مذعورات، من رجال الشرطة الذين يتعقبون تلك الأمهات اللواتي يعشن على بيع الأغراض البسيطة فوق الأرصفة، يطاردوهن كتجار المخدرات، يحتجزون ثروتهن الصغيرة ويهينون أطفالهن بشكل طبيعي وتلقائي أمام أنظار المارة وأطفال آخرين يرقبون تلك الأحداث باستغراب وحيرة.. وكلنا يعرف الأثر الذي يتركه ضرب طفل أمام آخر خصوصا في ذاكرة الطفل المهان. إنها مشاهد وحوادث تستقر في الذهن إلى الأبد، وتشكل عقد المرء ونواقصه وإحباطاته ومشاكله النفسية التي تصاحبه طيلة حياته. أحيانا يجف الحبر، فتستجدي الكلمات والمعاني علها تنقذك من ضياعك وقسوة ما تحس به، وتجسد ما يختلج بداخلك.. فتلك الصورة لا تحتاج إلى تعليق، لكن الصمت تواطؤ.. لذلك لابد أن نصرخ عاليا لنقول لكل جهاز الأمن والشرطة والأعوان إننا لسنا في حاجة إلى رجال ساديين، جبارين وطغاة، نريد حماة للوطن وللكرامة وللإنسانية، رجال نقدر زيهم الرسمي والمدني ونحترم أيديهم. المواطن البسيط أول مساند للأمن بالمملكة، وأظننا الشعب الوحيد الذي يسارع إلى التضامن مع رجال الأمن ومساعدتهم والتضحية إلى جانبهم، ولعل أحداث حي الفرح والمواطن الذي انقض على الانفجاري في مقهى الأنترنيت خير دليل على دعم المواطنين لجهاز الأمن. هذا الشعب الوفي، الأمين، الجريء لا يستحق أن نصفعه ونهين نساءه ونجرح صغاره، إنه لمشهد مثير للقرف والإشمئزاز.. فلا قيم الإسلام ولا الرجولة ولا المواطنة ولا المهنية تسمح لأي مخلوق أن يرعب طفلا صغيرا ملتصقا بظهر أمه، وأن يسحبها من جلبابها ويرميها أرضا. يجب أن نلتمس الصفح من «بلال» ومن كل ضحايا جهاز الأمن بكل تخصصاته، يجب أن نشعر بالخجل لأننا نتواطأ في ذرف الصغار لدموع ملتهبة تحرق خدودهم الطرية.. فهل من قبلة اعتذار يضعها الوطن على جبينهم؟

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

كريم استاد كاتب فصص يتمنى لفائك قريبا