بقلم : بشرى ايجورك
حينما كنت طفلة كانت تستهويني القصص الحزينة، أتابع تفاصيلها وأغوص بين أحداثها، أتألم لأبطالها وأذرف دموعا حارقة للظلم والتعسف والاحتقار التي يتعرضون لها.. كنت أركض نحو البيت كي أتابع سلسلة «سالي»، تلك الخادمة الصغيرة الجميلة التي خذلتها الأيام وجعلتها عرضة للمهانة والاستغلال.. كنت أتسمر كتمثال أمام التلفاز وأنا أتابع مئات الحلقات في انتظار الفرج.. البارحة وأنا أتابع الأخبار على القناة الثانية فوجئت بـ«سالي» حقيقية، أختان صغيرتان تتعرضان لأبشع أنواع التعذيب من طرف مشغلتهما.. أجساد صغيرة مشوهة باللكمات والكدمات الملونة.. أحسست بسائل ساخن يملأ عيني واكتشفت أنه لم يتغير شيء بين تلك التي كانت تبكي «سالي» قبل عشرين سنة وأنا التي أجلس الآن مشدوهة أمام هذه الجريمة الشنعاء.. طفلتان صغيرتان، استهزأ بهما الفقر وأذلهما وأرسلهما حمامتين صغيرتين لتعودان كعصفور صغير جريح مكسور الجناح.. طفلتان لا حول لهما ولا قوة، وشمت أجسادهما بالجروح وآثار الضرب والحرق والتعذيب وتحملتا العذاب لأكثر من سنتين.. أي قلب تحمل هذه المشغلة؟ أي يد اقترفت هذه الجريمة في حق أجسام ضعيفة مستسلمة؟ بدون شفقة ولا رحمة ولا تقوى.. تتعرض الخادمات للكثير من التجريح والمهانة والعذاب النفسي، هناك العديد من ربات البيوت من تنتقم من الخادمة وتفرغ فيها مشاكلها وعقدها وحقدها.. تقتات العديد من الخادمات في البيوت على بقايا ما التهمته العائلة، ويلبسن ملابس غريبة ويفترشن أرضية المطبخ.. مقابل الخزي وبعض الدراهم التي لا يرون لونها لأنها تبعث للأهالي.. ولازلن موضوع وجبات النميمة الدسمة التي تجمع النساء اللواتي يتباهين بتوفرهن على خادمة مطيعة، تخدمهن هن وأزواجهن وأولادهن وأحيانا يبعثن بهن لصديقاتهن ولأهلهن.. هؤلاء الطفلات اللواتي رمى بهن الفقر تحت رحمة نسوة غريبات لا علاقة لهن بهن.. قدرهن أن تمتهن أياديهن الصغيرة الغسل والكنس والطبخ عوض اللعب بالدمى وتعلم الحروف الأبجدية.. هؤلاء الطفلات المسكينات.. أتساءل كيف تقضين لياليهن؟ هل يغمض لهن جفن وهن متخنات بالجراح.. بماذا يحلمن.. هل لديهن لعب تخفينها ليمارسن حقهن في طفولتهن المغتصبة حينما يفرغ السجن من ساكنيه.. كيف يبدو لهن الغد.. هل ينتظرن يوما تشرق شمسه على وجوههن الصغيرة وهن يلعبن ويحملن حقائبهن نحو المدرسة.. المفارقة الجارحة أن هؤلاء النساء الجلادات لهن أبناء.. إنهن أمهات.. كيف لنفس الشفاه التي تقبل صغيرا.. أن تشتم آخر كيف لليد التي تحضن طفلا.. أن تضرب آخر كيف للقلب الذي يحب إبنا.. أن يحقد على آخر هناك نساء رائعات، أسر شريفة كريمة احتضنت الخادمة كفرد من الأسرة، ربتها وعلمتها.. وربما زوجتها.. هناك أمهات حنونات، جدات طيبات.. وهناك نساء تسكنهن الأشباح.. سنحاربهن.. لتظل البسمة على شفاه الصغيرات وإن خذلهن الفقر والزمن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق