الخميس، 1 مايو 2008

«البرتقالة المرة»: الحب الأول هو الأخير دائماً!

يبدو أن الصورة المتحركة المغربية، سينمائية كانت أو تلفزيونية، بدأت تجد تعبيريتها الحداثية في السنوات الأخيرة مع بعض المخرجات المتميزات اللواتي يحاولن أن يقدمن، كل واحدة بحسب رؤيتها وتصوراتها الفكرية والفنية، أفلاماً جديرة بالمشاهدة والمتابعة النقدية سواء اتفقت معهن في رؤيتهن أم اختلفت، وسواء في أعمالهن السينمائية المحضة أو في الأفلام التلفزيونية التي يقدمنها من حين الى آخر في هذه القناة المغربية أو تلك.
من بين هؤلاء المخرجات المتميزات بشرى إيجورك التي استطاعت حتى الآن أن تقدم فيلمين قصيرين، هما «كروان» و «البهجة» تركا صدى طيباً في الشارع العام وفي الأوساط النقدية، كما قدمت أخيراً في القناة التلفزيونية الثانية (دوزيم) فيلماً تلفزيونياً ناجحاً سواء من حيث الموضوع الذي يطرحه أو المعالجة الفنية التي قدم بها أو حتى من حيث المتابعات النقدية التي صاحبت لحظة عرضه وما بعدها.
الفيلم يحكي قصة فتاة في طور شبابها الأول لم تتخلص بعد من مراهقتها. تخرج ذات يوم في صحبة صديقتها ليقطفا معاً البرتقال المر من إحدى الفيلات الموجودة بالقرب من حيهما. ومن هنا أخذ عنوان الفيلم «البرتقالة المرة» ليحيل الى مذاق الحب الذي تبحث عنه هذه الشابة أو الذي ستصادفه فجأة يعترض طريقها. لحظة القطف هاته تحمل في طياتها بؤرة الحدث الأول، أي حدث لقائها بالشاب «أمين» الذي يعمل شرطياً في المنطقة نفسها إذ ما أن يلاحظ ما تقوم به الشابتان حتى يهرع إليهما بغية معرفة سرهما. وتحت نظرات البراءة المحيطة بهما ينزل الشابة «السعدية» بطلة الفيلم التي كانت تحاول سرقة إحدى البرتقالات المرّة، ناصحاً إياها بعدم جدوى فعلها هذا.
هنا تلتقي نظراتهما ويشع الحب في قلبيهما معاً، لكن الشاب بخبرته ورزانته واحترامه لالتزاماته الحياتية والمهنية سيعتبر الأمر مجرد إعجاب عادي منه وسيتناساه. في حين سيخترق الحب بعنف قلب الشابة الصغيرة، محدثاً فيه ارتجافاً قوياً كما تفعل العاصفة. إنه الحب الأول في حياتها، وهو الحب الأخير أيضاً بحسب تعبير الطاهر بن جلون في إحدى مجاميعه القصصية المعروفة.
أنوثة مبكرة
في هذا الفيلم تتألق الممثلة هدى الريحاني في تجسيدها دور هذه الشابة إذ استطاعت أن تعبر بعمق عن الأحاسيس الجارفة التي حلت بها سواء من حيث الشرود واستحضار صورة الحبيب والرغبة في رؤيته في شكل يومي، أو من حيث تعاملها مع جسدها ومصاحبتها للمرآة ورغبتها في إظهار أنوثتها حتى تبدو امرأة ناضجة.
هكذا ستجدّ صحبة رفيقتها في البحث عن منزل الشاب، حيث ستعرف أنه ما زال أعزب وهو يقطن صحبة أمه ويعتني بها فتقوم بكتابة رسائل متعددة إليه تخبره بحبها الجارف له. وهذه الرسائل لن يعرف بوجودها إلا بعد فوات الأوان. هنا ينفتح السرد على حياة هذا الشاب الشرطي الذي يستعد لاجتياز مباراة مفتشي الشرطة وما أن ينجح فيها حتى يتم تعارفه مع إحدى الشابات الموظفات في منزل أحد أصدقائه ويعلن إعجابه بها متوجاً هذا الإعجاب برغبته في إعلان خطبته لها. وهنا يتحول الحدث إذ ستسمع «عواطف»، صديقة «السعدية»، بذلك فتظن أن الشرطي سيأتي لخطبة صديقتها فتذهب مسرعة لإخبارها بذلك. يجن جنونها من الفرح وتبدأ أسرتها في الاستعداد لذلك. وستكون الصدمة قوية كما هو متوقع حين يعلم أفراد الأسرة أن الشرطي قد خطب فتاة أخرى غير ابنتهم، مما سيسبب للسعدية ألماً كبيراً لن تفيق منه إلا وهي تعانق حافة الجنون.
ينفتح الفيلم على طقوس الذهاب عند الأولياء من دون جدوى وخروج السعدية بعد ذلك الى الشارع كأي مجنونة. ويمر الزمن سريعاً لتقدم لنا لقطة الحادثة التي ستصدم فيها سيارة عابرة السعدية وهي تجوب أحد الشوارع من دون وعي. هنا يذهب المسؤول الأمني الذي ليس سوى أمين نفسه وقد خط الشيب رأسه لمعاينة الأمر، فيرى المرأة التي أحبته وقد غابت عن الوعي. وفي المستشفى الذي نقلت إليه يأتي إليها والدمع يملأ عينيه.
نجح الفيلم، على رغم بساطته، في تقديم صورة عامة لبعض المشاكل الاجتماعية المتعلقة بالخصوص بالمرأة غير المتعلمة التي لا يسمح لها بالإفصاح عن مشاعرها مع التركيز على سلطة الأب في التحكم في مصير أبنائه خصوصاً الفتيات منهم. إضافة الى تطرقه لمشاكل المراهقة وضرورة التعامل معها بحرص شديد وتفهم أكبر. وقد استطاع جل الممثلين الموجودين في الفيلم أن يقدموا شخصياته بكثير من النجاح لا سيما الممثلة هدى الريحاني التي كشفت عن قدرة تمثيلية متميزة، والممثل يوسف جندي الذي جسد دور رجل الأمن ببراعة عالية، والممثلة ريم شماعو التي جسدت دور عواطف صديقة البطلة.
لقد وفقت المخرجة الواعدة بشرى إيجورك من خلال عملها «البرتقالة المرة»، أن تقدم فيلماً تلفزيوناً محكم الصنع، سواء من حيث قدرتها على إدارة الممثلين أو اختيارها لفضاءات التصوير التي شكلت مدينة «أصيلا» إطاراً عاماً لها، أو حتى من حيث التحكم في التوازي بين اللقطات الكبرى والمتوسطة والصغرى تبعاً للأحداث التي تقدمها أو من حيث التوالد السردي العام بحيث ابتدأ الفيلم بلقطة صدم السيارة للبطلة السعدية ليعود الحكي من طريق «الفلاش باك» الى لحظة البداية، أي لحظة تعرفها على الشرطي الذي كان حبها الجارف له سبباً في ضياعها، وهو ما جعل من عملها التلفزيوني هذا يدخل في خانة أفضل الأفلام التلفزيونية المغربية التي قدمها التلفزيون المغربي أخيراً بقناتيه الأولى والثانية.

هناك تعليق واحد:

kati يقول...

j regarder le film il est fantastique une tres belle histoirs.bravo houda youssef et bouchra