
أغمض عيني وأتخيل أن ما حصل لم يحصل، أفتحهما فأجد الحقيقة الأليمة ماثلة أمامي لم تتغير.. إنه ألم لا يحتمل وندوب أليمة في أرواح كل المغاربة الأحرار.. وليس الخونة والقتلة والجلادين.. فاجعة بعد أخرى، ودموع رقراقة وآلام لا نهاية لها، إنه قدرنا وقدر كل البسطاء والشرفاء والكادحين.. أولئك المنسيين الذين يستيقظون كل صباح ليعانقوا الظلم والقسوة والعمل المضني.. شباب ورجال ونساء بوجوه متجهمة ذابلة، وكرامة ممرغة في الوحل، يقطعون مسافات طوال نحو الزنازين التي يحتجزون داخلها من أجل حفنة من الدراهم.. يحملون عبء حاضرهم وحيدين عزل أمام تسلط المشغلين وجبروتهم.. من منا لا يصادفهم كل يوم.. من منا لا يمر بمحاذاة كرامتهم المستباحة.. منا لا يثيره مشهد النسوة وهن متوجهات جماعات نحو المعامل والمصانع، صباح الأيام الباردة والفصول الحارقة.. من منا لم يسمع حكاياتهم المريرة عن نضالهم اليومي.. البسطاء المجروحون، الذين يقطع الألم أحشاءهم كل يوم وكل لحظة، مستعدين لقص آلامهم على أول غريب.. لذلك كلنا نعرف في أي ظروف مزرية يشتغلون، والرواتب الهزيلة التي يتقاضون، والمصائب والحوادث والإهانات والاستغلال الجسدي والروحي الذي يتربص بهم من كل جانب.. كلنا ندرك أنهم لم يعرفوا يوما معنى الاسترخاء، وأنهم لا يملكون سوى التنهد والحسرة والتفكير والتخطيط والخوف ومراكمة الإحباط والأزمات الخانقة.. كلنا نتعرف عليهم دون أن يقدموا أنفسهم من خلال أجسادهم النحيلة المتعبة، وعيونهم الحزينة وملابسهم الرثة وأكفهم الصلبة.. إنهم الورقة الرابحة للمنتخبين أثناء الفترة الانتخابية، وللحكومات المتعاقبة في جلسات تقديم الوعود الكاذبة والإنجازات المزورة.. ولأرباب العمل الذين يمتصون دماءهم ويستغلون عوزهم وبؤسهم، ويتواطؤون مع أجهزة الدولة الصماء لإحراقهم وإقبارهم.. محرقة على مرأى ومسمع من الجميع، مأساة ستنطبع تفاصيلها في ذاكرتنا إلى الأبد.. عمال وعاملات محتجزون في زنازين بنوافذ من حديد وأبواب موصدة، ينصب لهم الموت والقتلة الفخاخ بسرية مطلقة ويتركوهم للنيران تلتهم أجسادهم الطرية.. إنهم إخوتنا وأخواتنا وأمهاتنا وأبناؤنا.. إنهم أبناء هذا الوطن النبلاء، الذين اختاروا العمل الصعب المذل على امتهان السرقة والدعارة والاتجار في المخدرات.. كم أحسوا بالرعب، كم صرخوا وكم تألموا.. نرثيهم أم نرثي أنفسنا؟ إنهم شهداؤنا، شهداء العهد الجديد والشعارات الزائفة والسياسيين الدمى.. إنه جرح موجع وندبة على جسد الوطن وأنين سنظل نسمعه كل ذكرى عيد العمال، لن يصبح تاريخا منسيا بعيدا.. ستظل أرواحهم المغدورة تحلق فوق رؤوسنا، لتشعرنا بالذل والمهانة والمسؤولية التي ستظل تؤرقنا وتخجلنا وتحاسبنا.. إنه جرح لن يلتئم، وثأر لا بد أن نسترده.. فالمتواطئون كثر، مرئيون وسريون.. لكننا نعرفهم ونحفظ أسماءهم وملامحهم وألقابهم.. إنه تاريخنا الدامي الأسود، هؤلاء القتلة صانعوه.. ميؤوس منهم ومن خطاباتهم الباردة الكاذبة، ونواياهم المقيتة، تعبنا منهم ومن سلالتهم الحقيرة، يوزعون الأوهام على الناس، ويحتفظون لأنفسهم بحق العيش الكريم في الأبراج العالية، حيث لا يصلهم صدى صراخ الضحايا ولا تلفحهم رائحة الدخان الكثيف واللحم المحترق.. عزاؤنا واحد، وحسرتنا ولوعتنا وحرقتنا لن تنطفئ إلا إذا عوقب كل المسؤولين عن هذه المحرقة.. إنه أمل كحلم صعب التحقيق، طلب قاس بعيد المنال.. كخبز الفقراء، كالنجوم في السماء.. كحق المظلوم.. لقد عجزوا عن إخماد الحريق.. ترى هل سيفلحون في إطفاء النيران المشتعلة في صدورنا.. من سيعزينا؟ من سينقذنا من جلادينا؟ من سيسمعنا..
خارج النص : اصعب مقالة .... نعم تألمنا يومها,,, أردنا أن نبكي لكن جفت دموعنا من كثرة البكاء على حالنا ... لكنك اليوم يا فنانتنا فتحتي الجرح الذي أردنا تناسيه وابكيتنا ، نعم كم صرخوا بماذا احسوا آآآآآآآآآآآآآآآآآآه ثم آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا وطنا يشوي ابناءه في محرقة المتسلطين . شكرا استاذتي الحق آلمنا المقال لدرجة كبيرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق